خبر وانتصرت المبادئ ..بقلم: أ. رامز الحلبي.

الساعة 06:03 م|18 ديسمبر 2014

صباحٌ مفعمٌ بالنصر يفوح منه شذى البطولة والتحدي، يظلله المبدأ المنتصر، صباحٌ بزغت فيه شمس نهار السعدي بعد جولةٍ من جولات الصراع مع إدارة السجون النازية استمرت ثمانية وعشرين يومًا، كان فيها الوضوح والإصرار حتى مواصلة آخر الطريق عند نهار وإخوانه فيما كان التخبط والتوتر سمةً مميزةً لمصلحة السجون.

اصطف الفريقان، فريق حقٍ وخير يحاول أن يأخذ حقه الذي صاغه عبر السنين ببحرٍ من الآلام والجوع والحرمان، هذا الصف تقدمت فيه عشراتٌ من الأبطال والأشاوس بأمعائهم الخاوية نصرةً لأخيهم المجاهد نهار، وفي المقابل كان صف الغزاة متشحًا بسواد الهزيمة سلفًا على وجوههم أمارات الانسكار لأنهم وباختصار أهل باطلٍ وعنه مدافعون .

ما كان نهار السعدي يريد أكثر من أن يرى أمه ويأخذ ثوبه ويأكل طعامه، ولكن هذه البديهيات كانت كبيرةً على أشح الناس أخلاقًا الملعونين على لسان داوود وعيسى ابن مريم، ولأن تلك المطالب التي أرادها نهار ما كان له أن يتنازل عنها وما كان لأحد في الكون أن يتنازل عنها، خاض معركته في ظروفٍ قاسية سواء على المستوى الذاتي أو الموضوعي، فعلى المستوى الذاتي كان فريق الخير الذي يقوده نهار يعاني من أوجاع قد تركتها الإضرابات السابقة والتي زادت عن خمسة إضرابات في ثلاثة أعوام، علماً بأن الإضراب الذي يخوضه الأسرى يفترض أن يتباعد عن الإضراب السابق ما لا يقل عن خمس سنوات حتى تتعافى تلك الأمعاء الخاوية الكريمة الطاهرة ،وكذلك الانقسام الحاد الذي أرخى بظلاله على الحركة الأسيرة ، ثم حلول فصل الشتاء وما يمثله من بردٍ وجوع في الحالة الطبيعية فكيف لمن يريد أن يخوض إضرابًا مفتوحًا عن الطعام؟ ثم تطرف في إدارة مصلحة السجون حيث يقف على رأسها عتاة الصهاينة المتطرفين وبعضهم مأزومٌ نفسيًا كضابط الاستخبارات العامة ، هذا على مستوى السجن والأسرى ، وعلى المستوى المحلي فما زالت أوجاع السياسة المحلية تطحن عموم الشعب بدءًا بالانقسام ومرورًا بالاقتصار شبه المنهار وانتهاءً بكل شيء، فمن ذا الذي سينظر إلى تلك الامعاء الخاوية الصارخة التي تئن تحت         ضربات الجوع في سجون العدو ويعلن عن تضامنه معها ؟

( إنَ لدى جماهير الشعب الفلسطيني ما يكفيهم من الآلام ليلتفتوا إليها ويتركوا الأسرى وحدهم ).

وأمام هذا المشهد المتشح بالإحباط والسوداوية تقدم صاحب الحق وأشهر مبدأه بأننا قومٌ لا نغمض أجفاننا على الضيم ولا نسمح لأحد مهما كان أن يأكل حقنا فكان الإضراب المفتوح عن الطعام والذي تمايز عن غيره من الإضرابات السابقة بعدة أمورٍ أهمها :

اختزال الإضراب فيما لا يزيد عن مئة وعشرين مجاهدًا ( وكان يمكن أن يزيد العدد )، ثم دخول كبار السن من أسرى الجهاد الإسلامي في هذا الإضراب المفتوح عن الطعام وهم من الأسرى الإداريين ( المعفيين من أي التزام تجاه الإضراب ) ، وأيضًا الأسرى المرضى وهم أيضًا من المعفيين عن خوض أي إضراب لأن أوضاعهم الصحية تمنع ذلك .

وكذلك تميز الإضراب بأن المضربين الأشاوس قالوها ومن اليوم الأول: لن نرجع عن إضرابنا حتى يحقق نهار السعدي مطالبه وكسروا أغماد سيوفهم باكرًا لأن سيوفهم ستظل مشهرة .

وكان اللافت أيضًا في هذا الإضراب أن الهيئة القيادية العليا لأسرى حركة الجهاد الإسلامي كانت السباقة في الإضراب وعلى عادة القيادة التي يخلدها التاريخ كانوا أول الجنود اقتحامًا وآخرهم انسحابًا ، فما أن اتخذ قرار التضامن مع نهار السعدي حتى أعلن أمير الهيئة القيادية للجهاد الإسلامي عمار زيود ورفاقه في الهيئة دخولهم الإضراب وظلوا حتى آخر لحظة .

المشهد الأخير ذلك التناغم والتناسق بين عشرات المجاهدين الذين دخلوا الإضراب على التواتر قائمة شرف تتلوها قائمة تتلوها أخرى إلى أن اكتمل المشهد ليشكل أجمل صور التحدي في معارك الإضراب عن الطعام .

وقد لاحظنا بأن بعض الأقلام الطيبة قد تحدثت بأن هذا الإضراب جاء في توقيتٍ خاطئ للموانع التي ذكرناها آنفًا، ولكننا نقول بأن حسبة التجار تختلف بالكلية عن حسبة المبادئ ، فالتاجر لا يدخل غمار أي تجربة إلا إذا كان فيها الربح محققًا لأنه ما يبغي إلا الربح والكسب ، أما المناضلون والمجاهدون والثوار فإن حسبتهم تختلف بالكلية حيث أنهم يخوضون معاركهم رغم قلة الإمكان ، وتنكر القريب والبعيد ، وفي غياب الناصر والمعين أيضًا ، فهم أصحاب مبادئ أولاً يقاتلون من أجلها ويعلمون بأن دماءهم قد تسفح من أجل مبادئهم وستزهق أرواحهم نصرة لتلك المبادئ ، فتراهم يتقدمون إلى حتفهم بوجهٍ طلق وثغرٍ باسم لأنهم يعلمون بأن مبادئ الحق والخير وقيم العدالة لن تكتب لها الحياة إلا إذا منحوها دماءهم وأفئدتهم .

ختامًا ، وفي أول كلمة قالها المجاهد نهار السعدي وبها نختم : ( الحمدلله لقد انتصرنا ) .