خبر عالقون في المتاهة.. هآرتس

الساعة 12:15 م|26 نوفمبر 2014


بقلم: يحزقيل درور
(المضمون: اسرائيل بحاجة الى زعيم ودستور من نوع آخر، ولكن يبدو أن هذين الأمرين بعيدين مما سيجعلنا ندفع ثمنا باهظا - المصدر).
إن سلوك حكومة اسرائيل يشبه سلوك فأر في متاهة وهو يتلقى ضربات كهربائية، يركض هنا وهناك، لكن ليس له فرصة للخروج إلا اذا بقي على قيد الحياة لوقت كاف من اجل تطوير "حنكة المتاهات". هكذا هي حكومة اسرائيل التي تحاول مواجهة المشكلات السياسية والامنية المتغيرة والمتصاعدة من خلال ردود تكتيكية عادة ما تفشل.
تشديد العقوبات وهدم المنازل لا يردع الارهاب. اتهام رئيس السلطة الفلسطينية حتى اذا كان فيه شيئا من الصحة، يؤدي الى تدهور العلاقات الى هوة سحيقة أكثر. "رد صهيوني" من خلال البناء في المناطق هو سحر يرتد على الساحر، "الصمود الشجاع" ضد الولايات المتحدة والقول إن "علينا الاعتماد على أنفسنا فقط" يهدد علاقتنا المميزة معها ويتسبب بتعلقنا بها أكثر. التوقعات العلنية من الجمهوريين تغضب الرئيس اوباما ولا تمنع الضغوط من الجمهوريين حينما يصلون الى السلطة. الاستخفاف بالامم المتحدة واوروبا سيكون له ثمنا باهظا. والايمان بـ "ادارة الصراعات" ما هو إلا خدعة تشجع على استمرار السياسة الفاشلة. اعادة اسرائيليين قلائل مقابل اطلاق سراح أسرى أمنيين كثيرين تشجع على الخطف وتزعزع الردع وتقوي "المقاومة"، مواجهة فاشلة للمتطرفين اليهود تصب الزيت على النار، الاستعداد لعملية ضد المنشآت النووية الايرانية التي ستؤول الى غياب الفعل والانجازات السياسية، يهدد الأمن الاسرائيلي بشكل أكبر. وهناك أمثلة اخرى من هنا وهناك.
توجد لاسرائيل ايضا نجاحات تكتيكية ملفتة، ولكن في نهاية المطاف فاننا نبقى عالقين في المتاهة التي أصبحت خطيرة أكثر فأكثر، حيث لا يوجد مخرج بدون موقف سياسي أمني بعيد المدى، وبدون موقف مبدأي واقعي في نفس الوقت. وموقف كهذا ليس موجودا لدى الحكومة أو المعارضة.
الهذيان منتشر في اسرائيل ايضا على أعلى المستويات – رغم أن فهم عمليات تاريخية يؤدي الى استنتاج أنه لا يوجد أمل في تحقيق "ارض اسرائيل الكاملة" وأن "دولة واحدة للشعبين" هي انتحار، وأن اتفاقا مع الفلسطينيين غير قابل للحياة وهو مليء بالمخاطر الامنية.
الاجابة الدارجة على مثل هذه الادعاءات هي أنه من الافضل الانتظار لوقت مريح أكثر لاسرائيل، بدلا من "المراهنة" على مبادرة سياسية أمنية. ويضاف الى ذلك، بشكل مباشر أو غير مباشر، ادعاءات القوة الاسرائيلية والانتصار في حرب الايام الستة، كعلامة على الحروب القادمة. وهذه الادعاءات ليست سوى جدران تمنع خروجنا من البلبلة. فالأغبياء والمتطرفون فقط يتجاهلون ما حدث بعد حرب الايام الستة، حيث جاءت حرب يوم الغفران. ولا حاجة الى ذكر الكارثة لتأكيد عدم قدرة الانسان على فهم المجهول.
حسب النظرة التي تقول إنك تستطيع فعل ما تشاء، فان الاستنتاج هو أن المراوحة في المكان هي البديل الاسوأ، والاحتمالية الأكبر هي أن حركة التاريخ لا تعمل في مصلحتنا، وأن المراوحة الموجودة اليوم تؤدي الى اضاعة الفرص والى مخاطر كبيرة. لذلك فانه في ظل غياب الانطلاق في سياسات اسرائيل، فان الدولة ستبقى عالقة في البلبلة في ظل ازدياد الخطر حول مستقبلنا.
إن جزءً من مباديء السياسات السياسية – الامنية التي من شأنها أن تؤدي الى إحداث انطلاقة، تشهد خلافا آخذا في الازدياد، ومن ضمن هذه المباديء: اقامة الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح بالقرب من حدود 1967، وتبادل الاراضي ونقل المستوطنات الى داخل حدود متفق عليها والقدس موحدة وفيها مكانة ملائمة للمسلمين والمسيحيين في الحوض المقدس، وتكون الجهة الشرقية من القدس الموسعة تحت سيادة الدولة الفلسطينية، واقامة علاقات كاملة مع اغلبية الدول العربية والاسلامية، وتعاون ضد التطرف والعنف، وعلاج مسألة اللاجئين، واحتواء جهود ايران للحصول على السلاح النووي وأي سلاح آخر للدمار الشامل في الشرق الاوسط وضمانات حقيقية لنجاح الاتفاق من جميع الاطراف.
تجدر الاشارة ايضا الى ضرورة التفوق العسكري الاسرائيلي والتمييز بين الحدود السياسية والحدود الامنية، الامر الذي سيُمكّن اسرائيل من التواجد في أماكن استراتيجية في الدولة الفلسطينية الى حين استقرار المنطقة، هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى يجب القيام بخطوات لتقليص العمق والفجوة النفسية، الثقافية والدينية في الصراع، مثل الرقابة المتفق عليها على الكتب التعليمية وخلق رموز تعزز أجواء السلام.
المشكلة تكمن في أن بعض زعماء اسرائيل يتمسكون بالنظرة المسيحانية، وآخرين لا يملكون الجرأة السياسية المطلوبة لهذه الخطوات. أيضا تركيبة الحكم تُصعب اتخاذ قرارات حاسمة في ظل الخلافات الحادة في الرأي. فرنسا كانت بحاجة الى زعيم مثل شارل ديغول كي تخرج من الجزائر، وقد نجحت في ذلك فقط بعد تغيير الدستور، وبعد تعريض حياته للخطر. اليوم لا يوجد في اسرائيل زعيم مشابه، ولا يوجد استعداد لدستور يلائم حاجات الدولة، لذلك يتوقع حدوث ازمات سياسية وأمنية كبيرة الى حين انتهاء البلبلة وصعود قيادة من نوع جديد. لكن الثمن قد يكون باهظا حتى ذلك الحين.