خبر ماذا نريد- هآرتس

الساعة 09:15 ص|30 سبتمبر 2014

- بقلم: سافي رخلفسكي

إن رد بنيامين نتنياهو على خطبة أبو مازن في الامم المتحدة جزء مهم من سيره نحو انقلاب في اسرائيل، وهو استمرار لمشهد الهوية في حملة "الدولة اليهودية" الدعائية.

كانت خلاصة الابداع الصهيوني محاولة اخرى لتخليص هوية اليهود من قبضة غير اليهود الأعداء، وجعلها في أيديهم هم. فما الذي نريده، من هذه الجهة؟ إن مسار نتنياهو يفعل عكس ذلك تماما، فهو لا يستعمل "فقط" ولا حتى في الاساس التخويف ليعيد اليهود الى المحبس الذي رسمته عنصرية غير اليهود. إن نتنياهو بحصره عنايته المطلقة في "الكشف" عن مقاصد الآخرين، ينقض عرى الهوية الاسرائيلية المستقلة والاختيار الاسرائيلي. وقد غاب سؤال "ماذا نريد؟". كما تم تغييب تقريبا اسحق رابين الذي كان من مبدعيه مع اختيار ترتيب أولوياته.

يوجد شيء رمزي في تركيز نتنياهو على الامم المتحدة واللغة الانجليزية لفعل ذلك. فلم تعد توجد افكار يهودية كونية عن أسرة الشعوب، ولا بن غوريونية عبرية عن "الامم المتحدة الخاوية"، ولا "لا يهم ما يقوله الاغيار فالمهم ما يفعله اليهود"، بل العكس: توجد هوية يمليها الآخرون وتُعرض على أنها عملية رد لا نهاية لها في المسار الرئيس الذي هو الكشف عن العنصرية غير اليهودية، ويكمن وراء كل ذلك خداع كبير. فلا يوجد نجاح كبير لنتنياهو اذا سئل "ماذا يريد؟"، سوى أن يُقال إنه لا يريد سوى الحكم. والحقيقة تختلف اختلافا تاما. لأن مشروع الاستيطان وهو مشروع الحاخام دوف ليئور ونفتالي بينيت هو كله اختيار اسرائيلي. وهو من جهتهم اختيار يهودي. اختيار مسيحاني عنصري مغرور بـ "الشعب المختار". لكن لما كان هذا الاختيار في مجتمع يهودي عنصري مسيحاني وفي مجتمع عدم مساواة متطرف، ومجتمع بلا حدود ومجتمع استيطان لا يقبله اكثر الاسرائيليين الى الآن، يفضل نتنياهو أن يخفيه تكتيكيا وأن يعرض افعاله على أنها رد مستمر، رد الضحية اليهودية الأبدي على عداء لليهود مستمر.

 

من المعلوم أن كل عمل نتنياهو في الواقع متعمد ومخطط له، من الدعم المطلق لمشروع الاستيطان، الى تهويد اسرائيل، والى الدعم بأكثر من الغمز للتحريض على العرب واليسار، وتحطيم الاعلام الحر، وتسويد رأسمالية متطرفة تفضي الى اكبر قدر من عدم المساواة. لكن ما تزال حاجة الى التغطية على ذلك لتطرفه وأن يعرضه على انه عمل رد مستمر. واذا كان من نتيجة ذلك ان يصاب اساس الهوية العبرية – الهوية المستقلة الواثقة التي كان لصهيونية حركة العمل اسهام مركزي في خلقها، فما افضل ذلك.

 يتضح من هنا احد التغييرات التي يحسن ان يقوم بها غير اليمين في اسرائيل لمنع تغليب الخطاب اليميني المضلل. فعليه بدل أن يتعلق بـ "السلام" وأن يساعد نتنياهو بذلك على أن يبني الخطاب المعادي للصهيونية، خطاب "من هم الاغيار؟"، و"ماذا يريدون أن يفعلوا بنا؟" و"هل يمكن الاعتماد عليهم؟" – مع كل الاجوبة العنصرية – عليه أن يعود الى السؤال الصهيوني الاساسي وهو ماذا نريد.

 على هذا النحو بيقين بنيت الهوية اليهودية الحديثة التي تلقفت وعود الثورة الفرنسية لتخلص نفسها من هوية يستولي عليها آخرون، الى هوية تُبنى عن اختيار حر.

 يستطيع غير اليمين أن يعود الى الطريق الذي اقام استقلال اسرائيل. الطريق الذي انشأ اعلان استقلالها. والطريق الذي يسأل: ماذا تريد اسرائيل؟ وما الذي تحتاج اليه اسرائيل؟ وتكون الاجوبة الجوهرية عن ذلك أنها تريد مجتمعا اكثر مساواة وحرا وغير متدين عنصري وواثقا بنفسه. ومجتمعا مع حدود. مجتمعا لا ينشيء "منطقة استيطان" جديدة خارج حدوده يكون فيها اليهود مواطنين ولا يكون جيرانهم غير اليهود كذلك. مجتمعا لا يغرق نفسه بصورة موسوسة بالكشف عن "شر الاغيار" بل في انشاء قوة اسرائيل وحريتها وروحها وثقتها بنفسها وعدلها.