خبر الأمن الإسرائيلي وموقعة غزة.. محمد خالد الأزعر

الساعة 10:02 ص|15 سبتمبر 2014

ضمن الاستخلاصات والدروس العاجلة لتداعيات الحملة الإسرائيلية الأخيرة على غزة، توقع بعض المعنيين العرب، ومنهم فلسطينيون، حدوث تحولات نوعية ذات مغزى في مفهوم الأمن الإسرائيلي.

ومن النقاط التي استوقفت هؤلاء الراصدين ملياً: ضعف الجاهزية الاستخبارية، أفول القدرة على نقل المعركة إلى جبهة العدو (الفلسطيني) الداخلية، عدم حصانة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، انكسار تكتيك الحرب الخاطفة المباغتة، شحوب وربما زوال قناعة الرأي العام العالمي بفكرة إسرائيل الضحية، إصابة كتلة الإسناد اليهودي الخارجية بالصدوع والتشققات، احتمال خضوع إسرائيل القسري لنظرية الخوف أو الردع المتبادل، حتى وان رجحت موازين القوة العسكرية وغير العسكرية لصالحها.

وشاع في سياق هذه المراجعة أننا بصدد مستجدات مؤثرة جوهرياً على العقيدة الأمنية الإسرائيلية، وأن الفكر العسكري والسياسي الإسرائيلي سيسعى لمعالجة كثير من النواقص التي لم تكن في حساباته.

لكن الواقع أن الفضاء الفكري السياسي والاستراتيجي الإسرائيلي، لا يخلو من اجتهادات سابقة على مقتلة غزة، تشكك في وجود مثل هذه الغفلة، وهناك ما يجعلنا نرجح أن افتعال الحرب على غزة كان ضرباً من ضروب اختبار مدى صحتها.

ومن أبرز مؤشرات هذه القناعة، التقرير الذي أعده معهد «رئيوت» الإسرائيلي للتخطيط الاستراتيجي ونشره في فبراير الماضي، أي قبل 6 أشهر تقريباً من مقتلة غزة، وعنوانه «نحو العام 75 لإسرائيل.. رؤية جديدة حول مفهوم الأمن القومي»، وفيه دعوة مباشرة لإجراء «ثورة» على هذا المفهوم، ومبادئ مقترحة لتفعيل هذه الثورة.

يحتوي التقرير على ما يمكن اعتباره رؤية استشرافية للعناصر التي وصفها المراجعون العرب بالجديدة أو الطارئة، فهو يتحدث بشكل حرفي عن «تقوض أبعاد كثيرة في مفهوم الأمن الإسرائيلي، يعود بعضها إلى زمن بن غوريون، لم تعد واقعية بمرور الوقت وتوالي المتغيرات أو يمكن الاعتماد عليها».

وفي تبريره لهذا التقدير، يشير التقرير إلى ما يلي:

* إن يهود العالم آخذون في الابتعاد عن إسرائيل، إذ إن أعداداً متزايدة منهم ما عادوا يرونها عنصراً مركزياً في هويتهم ولا يؤيدونها، وبعضهم ينتقدها ويناصبها العداء.

* لم تعد الولايات المتحدة صخرة متينة خلف إسرائيل، فأميركا تعاني أزمة متواصلة، وقد تراجعت مكانتها بفعل حربيها في أفغانستان والعراق وصعود الصين وروسيا.

* هناك حملة لنزع شرعية إسرائيل؛ تضطلع بها شبكات من المنظمات غير الحكومية في العالمين العربي والإسلامي، ونشطاء عالميون في مجال حقوق الإنسان.

* إن العداء العربي لإسرائيل يتجدد، بالمعنيين الديني والعلماني، لدى الجيل الشاب الذي لم يعرف الهزائم العسكرية في العقود الماضية، وينظر لإسرائيل كنبتة غريبة استعمارية..

* إن خصوم إسرائيل طوروا رداً على تفوقها العسكري والتقني، وهي الآن تواجه منظمات قوية يطول أمد القتال معها، كما أن التفوق الإسرائيلي في الميدان العسكري يستغل للمس بسمعتها وشرعيتها.

هذه الملاحظات تعني أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية كانت منشغلة ومؤرقة بما أكدته مجريات موقعة غزة من سلبيات ومآخذ، ولا نبالغ كثيراً إذا راودنا هاجس أن هذه المؤسسة ومن ورائها القائمون على صناعة القرار الإسرائيلي، لم يفاجأوا كثيراً بأصداء هذه الموقعة على مفهومهم الأمني، ولا بد انهم مهمومون الآن بكيفية معالجتها، بعدما تيقنوا صدقيتها ميدانياً.

والظاهر أنهم لم يستشعروا حتى هذه اللحظة، درجة الفشل والخيبة إلى المستوى الذي يجبرهم على العمل جدياً بنظرية العلاقة السوية بين حقوق الفلسطينيين وأمن الإسرائيليين. هذه العلاقة التي مؤداها باقتضاب، أن التسوية السلمية القائمة على إيتاء الفلسطينيين حقوقهم ورفع الظلامة التاريخية عنهم، هي أقصر الطرق وأقل الوسائل كلفة لتحقيق الأمن الإسرائيلي.