خبر أفق جديد.. معاريف

الساعة 12:06 م|09 سبتمبر 2014

بقلم: ايلي افيدار

        (المضمون: توجد اصطفافات جديدة في الشرق الاوسط يتعين على اسرائيل أن تنخرط فيها لانها قادرة في ظلها على تحقيق مصالحها الامنية بأفق سياسي معتدل - المصدر).

        بعد عقود من الجمود، تحول الشرق الاوسط الى المكان الاكثر دينامية في العالم. فمنظومة التحالفات الاقليمية توجد في حركة دائمة: عدو الامس هو صديق اليوم، وصديق الامس سيكون غير ذي صلة غدا.

        المحور الابرز في السنة الاخيرة هو التحالف الاستراتيجي بين مصر، السعودية، اتحاد الامارات، الكويت والبحرين. فللمرة الاولى في تاريخ العالم العربي، هذا هو اتحاد لا تقوده دولة سائدة أو زعيم كريزماتي بل فكرة. هذا حلف سني يسعى الى الوقوف في وجه الحركات الاسلامية بكل انشقاقاتها – ضد ايران، حزب الله، الاسد، الاخوان المسلمين وحماس، وكذا في وجه حركات متطرفة كالدولة الاسلامية وجبهة النصرة، والمصرفيين خاصتهم من قطر.

        ليس لهذا الحلف مصدر صلاحيات خارج الشرق الاوسط. بالتأكيد ليس الولايات المتحدة. في السعودة ومصر تريان في الامريكيين مسؤولين عن صعود المتطرفين في ليبيا، تونس، اليمن، العراق وسوريا. وهما مستعدتان للتعاون مع واشنطن في مواجهة الدولة الاسلامية، ولكنهما لن يمنحاها حق الفيتو على سلوكهما.

        ليست اسرائيل جزءا من مجموعة الدول هذه، ولكن نشأ لنا تماثل مصالح وخصومة مشتركة مع المحور الحماسي – القطري – التركي. هذا هو الحلف الذي منح اسرائيل مجال عمل في اثناء "الجرف الصامد". وجاء الانتقاد على اسرائيل في اثناء الحملة من اوروبا ومن الولايات المتحدة، ولكن في العالم العربي بالذات رأوا في غزة جبهة اخرى في الصراع ضد الاصولية الاسلامية.

        لقد أوضح السعوديون بانهم لا يرون في اسرائيل عدوا. مقال نشر مؤخرا في صحيفة "الحياة" يتحدث صراحة حتى عن انهاء النزاع الاسرائيلي – العربي في صيغته التاريخية. فخصوم اسرائيل، كما قيل هناك، هما ايران وتركيا (اللتان ليستا عربيتين) وقطر، المعزولة عن باقي العالم العربي. وجعل ضعف الانظمة العربية الاتفاق الشامل مع اسرائيل مقبولا، كما يقضي المقال. اما اسرائيل فتحتفظ منذئذ بصمت مطبق.

        الفلسطيني المفضل

        فتح والسلطة الفلسطينية هما جزء من المحور المصري – السعودي. ففي أثناء "الجرف الصامد" تردد عباس بين التنسيق السياسي مع حماس وبين المصريين والسعودين. وأخيرا حسم ابو مازن في صالح الحلف مع الانظمة العربية المعتدلة. وعاد ليتخذ خطا حازما ضد حماس، استمر بعد الحرب ايضا: فعباس يسرب توبيخاته لخالد مشعل في قطر، يتهم حماس بالاكاذيب بالنسبة لاختطاف الفتيان بل حتى يهدد بحل حكومة الوحدة.

        تعرف السعودية ومصر بان ابو مازن لا يمكنه أن يسيطر على غزة. وحتى انجازاته في ليبيا والسامرة موضع خطر. ولكن من بين الخيارات على الطاولة، عباس هو الفلسطيني المفضل عليهما. كما أن المصريين يواصلون جهودهم للتأثير على حماس في غزة. وقد أعطت جهودهم ثمارها مؤخرا حين الغيت تأشيرة موسى ابو مرزوق الى قطر (في قطر اعتقدوا ان ابو مرزوق اصبح مصالحا اكثر مما ينبغي)، ونائب رئيس المكتب السياسي لحماس اعلن بانه ينتقل الى السكن في القطاع.

        ما تريده مصر والسعودية حقا هو خطوة سياسية بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية. ليس لديهما اوهام: هذه الخطوة لن تجعل الشرق الاوسط مستقرا. ولكن يمكنها ان تخلق افقا محليا وتضعف حماس، قطر وتركيا؛ تغلق جبهة اخرى في مواجهة الاسلام المتطرف، وتوجه أساس الانتباه والجهد الى سوريا، العراق وليبيا. هذه اهداف هامة لما يكفي لاستثمار الجهود فيها.

        بصدق وتواضع

        الضغط من اسرائيل خف في الاسبوعين الاخيرين ولكن هذا وضع مؤقت فقط. فالعالم مصدوم من قطع رؤوس الصحفيين الامريكيين ولكنه لا يزال لا يعتقد بان الفلسطينيين هم داعش، تماما مثلما لم تشطب عمليات 11 ايلول المسألة الفلسطينية عن جدول الاعمال.

        لاسرائيل نفسها توجد كل اسباب الحذر في هذه اللحظة. لو كنا اغرينا لاعادة الجولان الى السوريين قبل عقد من الزمان، لكانت قوات داعش وجبهة النصرة الان تصطاد السمك في بحيرة طبريا، تماما مثلما يجلس حزب الله على الجدار الطيب وحماس تحفر من تحت حدود غزة. ولكن السلبية ليست خيارا هي الاخرى. فالمنظومة، وهذا ما سبق ان قلناه، دينامية. فالتحديات الجديدة على الابواب. والمطلوب هو خطوة متواضعة وذكية تتناسب والفرصة الحالية.

        لا توجد حلول سحرية، كما لا توجد خطوات احادية الجانب تحل كل تحديات الساعة. العكس هو الصحيح، الانسحابات احادية الجانب من لبنان ومن غزة خلقت فراغا امتلأ بمحافل الارهاب. والخطوات التالية يجب أن تكون بعيدة المدى، وان تتم بتنسيق وتوافق واسعين قدر الامكان – بما في ذلك داخل الجمهور الاسرائيلي، وكذا مع الدول العربية المعتدلة. وترى الانظمة الهامة في العالم العربي بانسجام مع رؤية اسرائيل خريطة التهديدات، وستكون اكثر انصاتا للاضطرارات الامنية الاسرائيلية. فالسعوديون والمصريون يقرأون الاستطلاعات التي تعلن بان حماس ستنتصر على ابو مازن في انتخابات ديمقراطية في الضفة. وهما ستوافقان على الطلب من عباس سياسة داخلية تساعد الفلسطينيين وليس فقط توجيه الاتهامات لاسرائيل. وبناء الاقتصاد الفلسطيني هو مصلحة حكم للسلطة، باستثناء أنه لا يمكنه أن يقوم على اساس الفساد.

 الاساس الثاني للمسيرة يجب أن يكون الصدق، تجاه الخارج وتجاه الخارج على حد سواء. فعلى الصدق ان يأتي بشكل عرض اسرائيلي لمسيرة سياسية، واقعية، طويلة السنين، تقوم على أساس التوازنات والكوابح. اسرائيل توضح بانها لا يمكنها بعد اليوم أن تكتفي بالوعد بان "كل شيء سيكون على ما يرام" بعد الانسحاب. لا عندما يكون البديل غزة اخرى في الضفة الغربية. ومقابل الاعتراف باحتياجاتها الامنية، ستكون اسرائيل مستعدة للحديث عن تنازلات.

هام بقدر لا يقل عن ذلك هو الصدق في الساحة الداخلية. فقد نفد صبر الجمهور حقا من الوعود الانتخابية التي تنتهك بعدها فورا؛ شعارات السلام المأخوذة من الدعاية للحمص، او الوعود بالانتصارات العسكرية الجزئية واللامعة. هذه وتلك أيضا اتضحت كابتكارات سطحية لمكاتب الدعاية. اما الجمهور الاسرائيلي فيحتاج الى خطاب سياسي ناضج، يعترف بمكاننا في الشرق الاوسط. خطاب حقيقي، لا يتجاهل التهديدات أمام أبوابنا، ولا يهمل الفرص التي تقع في طريقنا.

بعد الصيف الاخير، لا يمكن لمواطني اسرائيل أن يكتفوا بأقل.