خبر وجه الجيش الاسرائيلي الحقيقي- هآرتس

الساعة 08:55 ص|31 أغسطس 2014

بقلم: جدعون ليفي

كان خليل عناتي ولدا من مخيم اللاجئين الفوار في جنوب الضفة الغربية؛ وقد أطلق جندي كان يقود جيبا عسكريا مدرعا الرصاص الحي على ظهره حينما كان راجعا الى بيته فقتله، وكان في العاشرة من عمره حين موته. وكان محمد القطري لاعب كرة قدم واعدا من مخيم اللاجئين الامعري قرب رام الله، فأطلق جندي الرصاص الحي عليه من مسافة بضع عشرات أمتار خلال مظاهرة تعترض على الحرب في غزة وقتله، وكان في الـ 19 من عمره حين موته. وكان هاشم أبو ماريا عاملا اجتماعيا من بيت أُمر، كان يعمل في الجمعية الدولية لحقوق الولد وكان يشارك في مظاهرة على الحرب في غزة لحماية الاولاد ومنعهم من رشق الحجارة. فأطلق عليه قناص من الجيش الاسرائيلي النار من شرفة بيت من بعيد وقتله وكان في الـ 45 من عمره حين موته ووالدا لثلاثة، وفي تلك المظاهرة نفسها قتل الجنود متظاهرين آخرين.

أصيب اولئك الاشخاص مع كثيرين آخرين برصاص الجيش الاسرائيلي بعيدا عن ميادين القتال في غزة. وعلى حسب معطيات الـ OCHA مكتب تنسيق الامم المتحدة للشؤون الانسانية، قتل الجيش الاسرائيلي خلال ايام الحرب في غزة عشرين بالغا وثلاثة اولاد في الضفة، وجرح جنود الجيش الاسرائيلي 2218 شخصا، 38 بالمئة منهم برصاص حي، وهذا عدد كبير على وجه خاص (قياسا بـ 14 بالمئة في النصف الاول من 2014 و4 بالمئة في 2013). ولم يكن أحد من القتلى يعرض حياة الجنود للخطر حقا، ولم يكن أحد منهم مسلحا أو مستحقا للموت بل الحرب في غزة هي التي أحلت دمهم. وأباح جنود الجيش الاسرائيلي لانفسهم في ظلها أن يستعملوا النار الحية لتفريق المظاهرات وتصفية الحسابات مع راشقي الحجارة والزجاجات الحارقة ومنهم اولاد، ولعقاب متظاهرين. وقد يكون الجنود حسدوا رفاقهم الذين يقاتلون في غزة وربما كانوا شعروا بخيبة أمل لأنهم بعيدون عن الشيء الحقيقي. وعلى كل حال عرفوا أنه لن يصيبهم أي سوء ولا سيما وفي غزة تجري مذبحة تقريبا وقلب الشعب مع جنوده، ولم يوقفهم أحد ولم يوقف أحد أو يحاكم. "الشرطة العسكرية والسرية تحقق"، هذه هي العبارة الشيفرية لمتحدث الجيش الاسرائيلي في ردوده الآلية وهي الشيفرة التي أخذت يُطمس عليها وتختفي الى أن يعلو الغبار القضايا وتُنسى. واذا كان المتهمون في الحياة المدنية بالقتل "عمدا أو غير عمد" يوقفون فورا ويحقق معهم بعد ذلك فان الامر على عكس ذلك في الجيش الاسرائيلي، فالتحقيق يأتي أولا ولا نهاية له على نحو عام حتى حينما يكون التحقيق في الوقائع سهلا؛ ولا حديث عن اعتقال ولا حتى في حالات تصرخ الى السماء كقتل الولد من مخيم الفوار. ويبدو أن الجندي الذي قتله مستمر على حياته المعتادة.

        إنها حياة الاحتلال المعتادة، وليست تلك معطيات غزة فلا سبيل للمقارنة – لكن هذه المعطيات على الخصوص تكشف عن وجه الجيش الاسرائيلي الحقيقي وعن سلوكه الدائم مع الفلسطينيين وعن نظرته المستهينة دائما في الاساس لحياتهم وموتهم. لم تنشب حرب في الضفة ولم يواجه الجنود كتائب عز الدين القسام ولا أنفاق ولا قذائف صاروخية ولا متفجرات ولا قناصون – فانظروا كيف قتلوا وجرحوا وكيف استعملوا النار الحية على متظاهرين شباب وعلى اولاد ايضا، وكيف أودوا بحياة لاعب كرة قدم وعده رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم قبل ذلك ببضعة اسابيع بمستقبل زاهر؛ وبحياة إبن لاجئين في العاشرة من عمره وبحياة عامل اجتماعي بريء من كل ذنب. لن تنشأ لجنة تحقيق دولية للتحقيق بجرائم الضفة، فلا داعي لاعداد ذرائع وكتابة تقارير وتجنيد محامين، لكن هذه الصغائر خاصة يجب أن تقلق. فهنا لا توجد حرب بل لا يكاد يوجد ارهاب بل مظاهرات غاضبة لمن يصيبهم مصير اخوتهم في غزة بالجنون، وكيف يمكن ألا يكون ذلك – وانظروا كيف يعاملهم الجنود.

        هكذا يتصرف جيش الشعب الذي يُحمل جنوده على راحات الايدي مرة اخرى الآن. يمكن بالطبع أن نتفهم بل أن نُجل حب الشعب لجنوده، لكن يجب ايضا أن نتذكر ما يفعله اولئك الجنود في اثناء خدمتهم العسكرية المعتادة يوما بعد يوم وسنة بعد سنة.