خبر من غولدستون إلى شاباس .. أيّ عدالة للفلسطينيين

الساعة 12:50 م|18 أغسطس 2014

تعيين مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، الكندي وليام شاباس، للتحقيق في انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي القوانين الإنسانية، في العدوان على غزة، سبقه في الثالث من إبريل/ نيسان من العام 2009، بعد عدوان "الرصاص المصبوب"، تقرير المحقق الدولي، ريتشارد غولدستون، الذي ناهز عشرة آلاف صفحة، وأكثر من ثلاثين شريط فيديو و1200 صورة فوتوغرافية، وخلص إلى أن إسرائيل خالفت الفصل الثالث عشر من القانون الدولي الإنساني، حيث دمرت بنية أساسية صناعية ووحدات لإنتاج الأغذية ومنشآت مياه، ومدارس ومصانع، واستهدفت بيوتاً لمدنيين، واستخدمت الفوسفور الأبيض لقصف المدنيين، إضافة إلى انتهاك سلطات الاحتلال اتفاقية جنيف الرابعة.

شكّل تقرير غولدستون بداية عدالة دولية، طالما احتاجها الفلسطينيون، وكانت صدمة قوية لهم عندما قررت السلطة الفلسطينية، آنذاك، الرضوخ المطلق للضغوط الأميركية والغربية، بالتقدم بطلب لمجلس حقوق الإنسان، يرجئ البت بتوصيات تقرير لجنة تقصي الحقائق برئاسة غولدستون.

وتستبق سلطات الاحتلال لجنة وليام شاباس للتحقيق في "ظروف" العدوان على غزة و"ملابساته"، بهدف إجهاض كل محاولات التحقيق الدولي. ولضمان عدم صياغة تقرير وليام شاباس على غرار تقرير غولدستون، سمّت دولة الاحتلال يوسف شابيرا، مراقب الدولة في إسرائيل، لفتح تحقيق مع المستويين السياسي والعسكري الإسرائيليين بشأن مجزرتي الشجاعية ورفح، تجنباً واستباقاً لتقرير وليام شاباس.

في المقابل، نشهد تخبّطاً سياسياً حقيقياً لدى السلطة الفلسطينية، ومستمراً من غولدستون إلى شاباس، بينما تتصاعد موجات الغضب في معظم عواصم العالم من سياسة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، وتتنامى دعوات المقاطعة الاقتصادية والسياسية لإسرائيل، ويتم التعاطي معها، عربياً وفلسطينياً، بحالة من اللامبالاة، واقتصارها على التمرير بشريط إخباري في كل جولة من العدوان ومواجهته.

يتّضح اللعب على وتر التكتيك الفاشل للتعامل مع العدوان الإسرائيلي، المستمرة فصوله في أدق تفاصيل الحياة اليومية للشعب الفلسطيني، ويتضح معه غياب الاستراتيجية الواضحة، ما يعني إنتاج سياسة تنتهج الرهان المستمر على الآخرين، وتغييب عوامل القوة المكمّلة لخوض المواجهات المختلفة مع الاحتلال، وهي سياسات بائسة الشكل والمضمون، على الأقل منذ مؤتمر مدريد وحتى اليوم، لم تُستخلص العبر منها ومن عملية المقايضة المستمرة التي لم تُعِد شيئاً من الحقوق الفلسطينية.

سياسة التخبّط والارتباك تحمل، في مضامينها، نتائج كارثية، وضعفاً ورهاناً على المجهول. ما يدفعنا إلى هذا الاستنتاج تجربة التعاطي مع تقريرغولدستون، وتجاهل اعتماد مراجعة سياسية شاملة لتجربة التكتيك مع الاحتلال التي ينتهجها المفاوض الفلسطيني، عدا عن حالة الصدمة التي أصابت الشعب الفلسطيني جراء التخلي عن تفعيل تقرير غولدستون.

صُدم الفلسطيني في جولة العدوان على غزة، بانتقال التآزر الرسمي العربي منه إلى الإسرائيلي، فأي تعويلٍ، اليوم، على عدالة منتظرة، أكانت من غولدستون أو شاباس، طالما أن هناك تخلياً فاضحاً عن مسؤولية القضية الفلسطينية من بعض النظام الرسمي العربي؟

المطلوب، على الأقل، قراءة متأنية للمشهد الإسرائيلي. ففي أثناء العدوان وقبله، وطوال مفاوضات العبث، يتوحّد الإسرائيلي على الدم الفلسطيني، ويتوجه نحو يمينية وفاشية في تعاطيه مع كل "الاتفاقات" المبرمة. لذلك، نحن، اليوم، في انتظار عدالة أكبر من عدالة غولدستون أو شاباس، عدالة قيادة فلسطينية شجاعة، تتنازل عن كِبرها القاتل، وتستوي مع نضالات شعبها، وتلتفت إلى مكامن قوته في عموم فلسطين، وهو الذي كان قد شطب تاريخه وتضحياته ضباب الانتقال من الاختلاف إلى العداوة. العدالة المنتظرة للفلسطينيين، بدون شك، هي وحدتهم الوطنية مع شرعية "اختصامهم" الفكري والسياسي.