خبر هآرتس: قصف غزة بالمدفعية غير الدقيقة

الساعة 10:56 ص|15 أغسطس 2014

ترجمة حرفية

بقلم: عاموس هرئيل وغيلي كوهن

          استخدم الجيش الاسرائيلي في القتال في قطاع غزة قوة استثنائية من نار المدفعية بما في ذلك في المناطق المبنية باكتظاظ. وحسب معطيات جزئية وفرها الجيش في 29 تموز، بعد ثلاثة أسابيع من القتال (منها 12 يوما من العملية البرية) اطلق حتى ذلك الحين نحو 30 الف قذيفة. واستمر القتال البري لاكثر من اسبوع آخر، ولهذا يمكن التقدير بان العدد النهائي للقذائف التي اطلقت حتى الان أعلى بشكل كبير.

          في حملة "الرصاص المصبوب" في 2009، لغرض المقارنة، أطلق الجيش الاسرائيلي نحو 8.000 قذيفة مدفعية. من اصل هذه الكمية، نحو النصف (4.000) كانت قذائف دخان. نحو 1.000 قذيفة كانت قذائف إنارة، والباقي نحو 3.000 قذيفة متفجرة. في تلك الحملة، كانت التعليمات للقوات بالامتناع عن النار على المناط المبنية، الا في حالات استثنائية ضرورية لانقاذ القوة. معظم اطلاق النار تم في حينه الى مناطق مفتوحة أو أطراف المناطق المبنية. ويمكن التقدير بان العدد الاجمالي لقذائف المدفعية التي اطلقت في "الجرف الصامد" أعلى بـ 4 أضعاف ما اطلق في "الرصاص المصبوب".

          وكما أسلفنا، فان المعطيات هذه المرة جزئية فقط بل ولا تزال لا تتضمن توزيع أصناف النار، الى قذائف إنارة، دخان ومتفجرات. ومن المعطيات التي أفاد بها امس ضابط كبير في استعراض للصحفيين يتبين أن هيئة الاركان زودت القوات التي قاتلت في القطاع بـ 43.000 عنصر من الذخيرة المدفعية. ولم يفد بمعدل الذخيرة التي أطلقت فعلا، ولكنه قدر بان الكلفة الاجمالي للذخيرة التي اطلقت (بما في ذلك الذخيرة الخفيفة وقذائف الدبابات) تبلغ نحو 1.3 مليار شيكل. وعلى حد قوله، فان قوات الجيش التي قاتلت في القطاع أطلقت ذخيرة اكثر مما خطط له مسبقا ويحتمل أن تكون حاجة الى ملاءمة الخطط العملياتية للجيش في المستقبل مع تقديرات نار أعلى، لان الامر يستمد من طبيعة القتال في المستقبل.

          تعتبر قذائف المدفعية نارا "ثابتة" (ستاتية)، لا تسمح بالاصابة الدقيقة للهدف. قذائف من عيار 155 ملم تطلق بشكل عام نحو منطقة بعرض 50متر وبطول 50متر، اصابتها تعتبر من ناحية مهنية كاصابة للهدف. في منطقة مبنية باكتظاظ في قطاع غزة، فان مثل هذه المنطقة كفيلة بان تضم اكثر من خمسة مبانٍ، واستخدام السلاح الجوي، او الصواريخ للمدى القصير التي تطلق من الارض مثل "تموز" (اطلق نحو 200 منه) تؤدي الى دقة كبيرة بقدر واضح في اصابة الاهداف.

          في اثناء استخدام نار المدفعية، يلزم الجيش القوات باستخدام مسافات آمنة، سواء من وحداته أم من مواطني العدو. ولكن القيود تتقلص عندما يدور الحديث عن استخدام "النار للانقاذ" التي هدفها انقاذ قوة عسكرية توجد في ضائقة. وعن "نار للانقاذ" في حالة خطر على الحياة، يحق لكل قائد ميداني تقريبا أن يعلن عن "النار للانقاذ". ويبدو أن شروط القتال في القطاع والمخاطر الكثيرة على القوات أدت الى اعلانات كثيرة كهذه. وفي الجيش يعترفون بانه يحتمل أن يكون الكثير من المدنيين الفلسطينيين قد اصيبوا بالنار غير الدقيقة.

          نار المدفعية للانقاذ استخدمت بشكل واسع في عدة حالات في اثناء القتال. حالتان بارزتان هما المعركة في حي الشجاعية شرق غزة والمعركة في رفح. وحسب معطيات قدمها الجيش الاسرائيلي، ففي المعركة في الشجاعية في 20 تموز – بعد اصابة مجنزرة لواء غولاني التي قتل فيها 7 جنود – اطلق نحو 600 قذيفة مدفعية متفجرة، في غضون أقل من ساعة. وقد اطلقت القذائف من أجل انقاذ القوات، في ظل تقليص واضح للمسافات الآمنة.

          اما في رفح، فأطلقت بطاريات المدفعية أكثر من 1.000 قذيفة في 3 ساعات بعد اختطاف الملازم هدار غولدن من لواء جفعاتي من قبل خلية حماس في المدينة في 1 آب. ويظهر المعطى الشاذ من التحقيق الاولي الذي جرى في الجيش الاسرائيلي على ملابسات الحادثة، التي تجتذب اليها انتباها دوليا شديدا. وفي الجيش الاسرائيلي يقدرون بان في رفح ستجرى تحقيقات من الاجانب، بمن فيهم مجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة.

          تحقيق رفح

          التحقيق الداخلي في الجيش الاسرائيلي سيركز على عمل ثلاثة قيادات في معركة رفح: قيادة لواء جفعاتي، قيادة فرقة غزة التي عمل تحتها اللواء، وقيادة المنطقة الجنوبية. والاسئلة المركزية التي ستطرح فيه تتعلق بجانبين: الاستخدام المكثف للنار، في منطقة مدينية كان فيها سكان مدنيون باكتظاظ واستخدام نظام "هنيبال" لاحباط اختطاف الملازم غولدن. وكما أفادت "هآرتس" وبخلاف معظم الحالات الاخرى، جرت المعركة في رفح في حي لم يقم الجيش مسبقا باخلائه من المدنيين، وبعد أن هاجمت خلية حماس بالنار قوة من دورية جفعاتي، قتلت ضابطا وجنديا وفرت مع غولدن المخطوف في ايديها. وحسب تقارير مختلفة من الجانب الفلسطيني، قتل في المعركة بين 130 الى 150 فلسطيني بينهم مدنيون كثيرون. في اطار المعركة اطلقت نار كثيفة من بطاريات المدفعية وقذائف الدبابات، الى جانب غارات من الطائرات والمروحيات. وفي غضون نحو 3 ساعات اطلق أكثر من 1.000 قذيفة وهوجم نحو 40 هدفا من الجو.

          وبالنسبة لاستخدام نظام "هنيبال" تعترف الان عدة مصادر عسكرية تحدثت مع "هآرتس" بان للجيش الاسرائيلي توجد مشكلة في غرس الامر وشرحه بين الكثير من القيادات الميدانية. فالامر الخطي يقول انه مسموح لقوة الجيش الاسرائيلي ان تأخذ مخاطرة محسوبة باصابة جندي مخطوف، بهدف احباط اختطافه. ومع ذلك، فانه لا يسمح باستخدام القوة الكثيفة التي من شأنها أن تؤدي الى قتل الجندي الى جانب خاطفيه. في المحاضرات التي يقدمها القادة في الدورات المختلفة في الجيش الاسرائيلي يعطى في احيان كثيرة مثال للنار نحو سيارات يوجد فيها خاطفون ومخطوف: مسموح اطلاق النار نحو عجلات السيارة بهدف وقفها. محظور اطلاق قذيفة الى السيارة نفسها من شأنها أن تقتل المخطوف نفسه.

          ورغم ذلك، فالفهم السائد بين الكثير من القادة والجنود هو أنه يجب احباط الاختطاف بكل ثمن. في الجيش يعترفون بانه ستكون حاجة الى تأكيد التعليمات في هذا الشأن من أجل غرس المعنى الحقيقي للامر. رئيس الاركان بيني غانتس اوضح عدة مرات في القيادات التي قاتل رجالها في غزة بانه توجد اهمية كبيرة لتقليص الاصابة للمدنيين الفلسطينيين في اثناء القتل.

          في جهاز الامن يعمل الان بالتوازي فريقان هدفهما صد الادعاءات بجرائم حرب من جانب اسرائيل. لجنة من هيئة الاركان برئاسة اللواء نوعم تيفون، بدأت في اثناء الحرب بالتحقيق في عشرات الاحداث، ولا سيما تلك التي قتل فيها مدنيون فلسطينيون كثيرون. اضافة الى ذلك، عينت لجنة من عدة وزارات برئاسة رئيس قسم التخطيط في هيئة الاركان، اللواء نمرود شيفر لتعنى بمواجهة الادعاءات الاكثر عمومية الموجهة ضد اسرائيل. وردا على سؤال من "هآرتس" اجاب الناطق العسكري بان "في نهاية حملة "الجرف الصامد" وكما هو متبع في الجيش سيجرى تحقيق معمق للحملة باجزائها المختلفة وسيحقق في المعارك في الجبهات المختلفة".